كنوز نت - ميسم مندوب
---
حريش: مدينة بُنيت على أراضٍ عربية وبأيادٍ عربية—لكن لمن تُخصص؟
بقلم: ميسم مجدوب – مستشارة عقارية وصاحبة شركة عقارات
مدينة حريش أصبحت في السنوات الأخيرة واحدة من أسرع المدن نموًا في إسرائيل، حيث يتم الترويج لها كمدينة حديثة بأسعار سكن معقولة. ولكن خلف هذا التطوير السريع، هناك حقيقة مُغيبة: المدينة بُنيت على أراضٍ عربية صودرت من سكان أم الفحم والقرى المجاورة، وبناها عمال ومقاولون عرب، لكنها تُسوّق اليوم كمدينة دينية يهودية، بينما يتم تهميش العرب ومنعهم فعليًا من الاستفادة منها.
حريش: أراضٍ صودرت وأصحابها مُنعوا من العودة إليها
قبل قيام دولة إسرائيل، كانت معظم الأراضي التي تقوم عليها حريش اليوم مملوكة لعائلات عربية من أم الفحم، كفر قرع، وعرعرة. لكن بعد عام 1948، استولت السلطات الإسرائيلية على هذه الأراضي بموجب قانون أملاك الغائبين، الذي سمح بمصادرة ممتلكات الفلسطينيين الذين أصبحوا لاجئين أو نازحين داخليًا. وعلى مدار العقود التالية، تم استخدام هذه الأراضي لمشاريع إسكانية، كان آخرها مشروع حريش، الذي بدأ كمدينة مفتوحة للجميع، لكنه يتحول تدريجيًا إلى مدينة حريدية مغلقة، لا مكان فيها للعرب.
بُنيت بأيادٍ عربية، لكنها لا تُخصص للعرب
ما يزيد من التناقض هو أن من قام ببناء هذه المدينة هم العرب أنفسهم!
شركات المقاولات العربية، مثل "האחים פתחי" (الإخوة فتحي)، هي التي نفذت جزءًا كبيرًا من مشاريع الإسكان والبنية التحتية في حريش.
العمال العرب هم من أقاموا المباني، الشوارع، والحدائق، لكن عند محاولة شراء منزل في المدينة، يواجه العرب تمييزًا واضحًا وإقصاءً ممنهجًا.
يتم استثمار ميزانيات ضخمة في بناء مدارس دينية، كُنس، ومؤسسات تخدم السكان اليهود المتدينين، بينما لا توجد أي خطط لإنشاء مدارس عربية أو مراكز ثقافية تلبي احتياجات العائلات العربية التي تسكن هناك أو تفكر في الانتقال إليها.
لماذا يُمنع العرب من السكن والاستثمار في حريش؟
رغم أن حريش قانونيًا مدينة مفتوحة لجميع المواطنين، فإن الواقع مختلف تمامًا:
1. سياسات تسويقية موجهة فقط لليهود المتدينين، مع تجاهل واضح للوجود العربي.
2. غياب الخدمات الأساسية للعرب، مثل المدارس العربية والمرافق الثقافية، مما يجعل الحياة هناك غير مريحة للعائلات العربية.
3. التخطيط العمراني يخدم فئة واحدة، حيث يتم تخصيص معظم المشاريع الجديدة للحريديم، دون اعتبار لاحتياجات السكان غير المتدينين، وخاصة العرب.
4. ارتفاع الأسعار مع زيادة الطلب من الحريديم، مما قد يجعل شراء العقارات أكثر صعوبة للعائلات العربية مستقبلاً.
التوسع السكاني في حريش
المدينة تشهد نموًا سريعًا، مما يجعلها واحدة من أكثر المدن تطورًا في إسرائيل. مقارنةً مع مدن أخرى مثل بني براك وألعاد، أصبحت حريش خيارًا منافسًا للعائلات الحريدية، التي تبحث عن بيئة دينية هادئة مع خدمات تلائم نمط حياتهم.
البنية التحتية والتخطيط الحضري
حريش تتميز ببنية تحتية حديثة ومخططة بشكل جيد، مما يجعلها مكانًا مناسبًا للعائلات الكبيرة. هناك تحسينات مستمرة في وسائل النقل والمواصلات التي تربط المدينة بمناطق أخرى في إسرائيل، مما يسهل التنقل ويزيد من جاذبية المدينة.
أسعار العقارات والإيجارات
أسعار الإيجارات في حريش لا تزال منخفضة نسبيًا مقارنة بمدن أخرى مثل تل أبيب والقدس، مما يجذب المزيد من السكان. هذا الإقبال الكبير على السكن في المدينة أدى إلى ارتفاع تدريجي في الأسعار، لكن تظل المدينة توفر خيارًا ميسورًا للعائلات التي تبحث عن جودة حياة بتكاليف معيشة أقل.
جذب المجتمع الحريدي
هناك اهتمام متزايد من قبل العائلات الحريدية بالانتقال إلى حريش بسبب توافر المؤسسات الدينية والمدارس الحريدية. المدينة توفر بيئة هادئة تناسب نمط حياة المتدينين، مما يجعلها وجهة جذابة لهم.
اهتمام المستثمرين في سوق العقارات
نظرًا للنمو السريع للمدينة، بدأ المستثمرون في الاهتمام بشراء العقارات في حريش، مما قد يؤدي إلى زيادة أسعار السكن مستقبلًا.
رسالتي إلى المجتمع العربي: لنأخذ زمام المبادرة
من موقعي كمستشارة عقارية، أرى أن المجتمع العربي أمام فرصة حقيقية للتأثير على مستقبل حريش بدلًا من أن يكون مجرد متفرج. المدينة لا تزال في مرحلة التطوير، وإذا لم يكن هناك تواجد عربي قوي الآن، فقد نجد أنفسنا أمام مدينة مغلقة لا مكان لنا فيها.
لهذا، علينا أن:
نستثمر في العقارات في حريش ونؤكد حقنا في السكن فيها.
نطالب بخدمات متساوية، مثل المدارس والمواصلات والمراكز الثقافية.
نستخدم الأدوات القانونية والسياسية للطعن في سياسات الإقصاء والمطالبة بحقوقنا.
نرفع الوعي حول ملكية العرب الأصلية لهذه الأراضي، وعدم السماح بجعلها مدينة لفئة واحدة فقط.
نداء إلى المسؤولين وأعضاء الكنيست: لا تحولوا حريش إلى مدينة مغلقة
نطالب الحكومة، وزارة التربية والتعليم، وأعضاء الكنيست باتخاذ إجراءات فورية لضمان أن تكون حريش مدينة للجميع، وليس فقط لفئة واحدة. المطالب واضحة وعادلة:
إقامة مدارس عربية داخل حريش، بدلًا من اضطرار العائلات العربية لإرسال أطفالها إلى مدارس في المدن المجاورة.
بناء مؤسسات ثقافية ودينية تخدم السكان العرب، لضمان بيئة معيشية متوازنة.
تمثيل عربي في التخطيط البلدي، لضمان عدم تهميش السكان العرب في توزيع الخدمات والموارد.
المساواة في الخدمات العامة، مثل البنية التحتية، الصحة، والمواصلات.
الخلاصة: لن نسمح بأن نُمحى من الخريطة
حريش لم تُبنَ من العدم. بُنيت على أراضٍ عربية، وبأيادٍ عربية، ومع ذلك، يحاولون إقصاء العرب منها. هذا واقع لا يمكن القبول به.
الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع—وحريش يجب أن تكون مدينة لكل من بناها وساهم في تطويرها.
---


10/02/2025 12:03 pm 316