فارس حمدان الحاج أحمد من باقة الغربية بين التجاهل والنسيان..


كتب : د.محمد عقل


لم يحظ فارس حمدان الحاج أحمد أبو مخ من باقة الغربية باهتمام المؤرخين، فاكتفى صبحي بيادسة في كتابه "باقة الغربية – تاريخ لا يُنسى" بأن قال عنه إنه كان رئيس المجلس المحلي في باقة الغربية بين السنوات 1959-1965، واقتبس مؤلفو كتاب "سنابل من عبق التاريخ والتراث- باقة الغربية" هذا السطر ولم يزيدوا عليه شيئًا، والحقيقة أن هذا التجاهل والإهمال يدل على نفور أهل بلدته منه لأنه كان ابنًا لإقطاعي كبير حيث بلغ ملك والده نحو عشرة آلاف دونم، وكان يُشغّل الفلاحين فيها نظير حصولهم على ثلث المحصول. قسم من هؤلاء كان يعمل في أرضه وفق نظام القطرزة،. كان الجميع يهابونه ويحسبون له حسابًا.

ثقافة فارس حمدان

ولد فارس حمدان الحاج أحمد في قرية باقة الغربية عام 1910، وتعلم في كتابها. يروى أنه أكمل دراسته في الثانوية الوطنية في مدينة نابلس، ولعلهم يقصدون كلية النجاح الوطنية، ولكن لم يظهر اسمه في سجلات خريجي هذه المدرسة. والناس يخلطون بينه وبين فارس محمد أبو مخ الذي كان مختارًا لباقة الغربية حتى سنة 1938.

فارس حمدان عضوًا للكنيست ورئيسًا للمجلس المحلي

في عام 1947 كانت لفارس حمدان الحاج أحمد علاقات طيبة مع زعماء المستوطنات اليهودية القريبة مثل عين شيمر وكركور ومعانيت وباردس حنا، شأنه في ذلك شأن مخاتير قرى منطقة وادي عاره. منذ تلك السنة لم تقم الهاغاناه بأي هجوم على باقة الغربية، ولكن بعد دخول الجيش العراقي تغير الموقف، حيث قام المناضلون العرب التابعون لفوج الشعراوية بدعم من الجيش العراقي باحتلال موقع تلة حنفيش وطرد اليهود منها.


في بداية العهد الإسرائيلي كان المختار جميل فارس محمد أبو مخ، ثم عين محمد حمدان الحاج أحمد رئيسًا للمجلس المحلي.
 في عام 1951 خاض فارس حمدان الحاج أحمد الانتخابات للكنيست الثانية عن قائمة الزراعة والتطوير المرتبطة بالحزب الحاكم وهو حزب مباي الذي كان يقوده دافيد بن غوريون. وكذا فعل في الانتخابات للكنيست الثالثة عام 1955 وبقي عضوًا حتى سنة 1959. ثم أصبح رئيسًا للمجلس المحلي في باقة الغربية حتى سنة 1965.

مواقف فارس حمدان السياسية

اتخذ فارس حمدان مواقف مؤيدة للحزب الحاكم في اسرائيل لدرجة المغالاة ، حيث حاول اقناع عوائل الشهداء والجرحى في قرية عاره بالتنازل عن حقهم في إثارة القضية من على منصة الكنيست نظير حصولهم على تعويض مالي ولكنه فشل بسبب تأييد أعضاء حركة هاشومير هتسعير ونوابهم من حزب مبام لمواصلة المطالبة بلجنة تحقيق. كما اتخذ فارس موقفًا معارضًا لإلغاء الحكم العسكري عن العرب، وحرّض ابن غوريون على ملاحقة الشيوعيين معتبرًا أن رفعهم شعارات أممية في الأول من أيار في الناصرة هي الخيانة بعينها.


يبدو أن مواقف فارس حمدان قد تغيرت في بداية الستينيات من القرن الماضي حيث نراه عام 1964 يدافع عن ابراهيم غنايم في المحكمة، ويصرح أن هتاف ابراهيم بحياة أبي خالد موجه له لا لجمال عبد الناصر.(أ.د فاروق مواسي، أقواس من سيرتي الذاتية، ط2، ص 161-162)، وكان يكنى بأبي خالد رغم أنه لم ينجب.

فارس ومصنع المعلبات

في يوم الخميس 31 تموز 1958 قام فارس حمدان بالتوقيع على وثيقة تأسيس مصنع معلبات عربي-يهودي مشترك في قرية باقة الغربية.
في ذلك اليوم وضع حجر الأساس لمصنع تعليب الخضراوات، والفواكه والحمضيات اسمه "معلبات باقة" بحضور وزير التجارة والصناعة ومستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية وشخصيات بارزة ومئات من المدعوين وسكان القرية فكان ذلك يومًا مشهودًا.

عن فكرة إنشاء هذا المصنع كتب مراسل صحيفة دافار يقول:

"سيقام المصنع على مساحة 2000 متر مربع، في غرب القرية، بمشاركة يهودية عربية، بمبادرة من عضو الكنيست وإدارة شركة أدير(أكا). قبل قراءة وثيقة التأسيس ألقىيت كلمات من: الشركاء، الحاكم العسكري في منطقة المثلث(الوسط) ز. مارت ووزير الصناعة والتجارة فنحاس سبير. الأخير رحّب باسم الحكومة بالمشروع وقال: إن فكرة إنشاء مصنع طرحت لأول مرة في العام الماضي على يد فارس حمدان في اجتماع أعضاء الكنيست العرب برئيس الحكومة دافيد بن غوريون الذي أبدى اهتمامًا بالخطة وألقى على عاتق وزير التجارة والصناعة مهمة المساعدة على إخراجها إلى حيز التنفيذ. وأضاف الوزير أن حكومة إسرائيل تسعى إلى تقدم الأقلية العربية ورفع مستواها المعيشي. وقد أعلن أن وزارته ستساعد على إقامة ورشات في المناطق العربية، وفي هذه الأيام سيُوظف في وزارته موظفًا خاصًا من الأقلية العربية ليعالج تنفيذ هذه المشاريع".

وعن المصنع الجديد كتب مراسل صحيفة هاتسوفيه يقول:

"المصنع الجديد سيقام شراكة بين عضو الكنيست فارس حمدان وشركة أدير محدودة الضمان(أكا). 60% من المال المرصود من العرب، بينما 40% من اليهود. سيقوم المصنع بتعليب فواكه، خضراوات وحمضيات. في المرحلة الأولى سيشغل نحو 250 عاملاً عربيًا تحت أشراف مختصين يهود. يبلغ ملاك الشركة 50,000 ليرة، والمال المرصود لها سيبلغ نحو 600,000 ليرة ويشمل ذلك معدات من خارج البلاد. سيستغرق البناء 3-4 أشهر، وسيبدأ الانتاج في بداية 1959، وذلك لاستغلال موسم الحمضيات القادم، نحو 60% من الانتاج للتصدير، بالذات إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ويطمحون بأن تصل قيمة الانتاج إلى مليون ونصف المليون ليرة سنويًا".

أما مراسل دافار فكتب عن ذلك يقول:

"المصنع الجديد سيرتكز على المنتوجات الزراعية لمزارعي المثلث، وسيشغل في المرحلة الأولى نحو 250 عاملاً عربيًا، وعددًا من المختصين اليهود. البدء ببناية المصنع سيجري على الفور، وفي بداية عام 1959 سيظهر الانتاج الجديد "معلبات باقة" الذي سيباع قسم منه في البلاد وأكثر من 60% منه في خارج البلاد. وزارة التجارة والصناعة قدمت حصتها في إقامة المشروع بأن أعفته من الضرائب لمدة ثلاث سنوات، ومنحت القائمين عليه قرضًا بمبلغ 420,000 ليرة الذي يساوي قريبًا من 70% من مجمل التكاليف".




وقد أوردت صحيفة " لمرحاب" معلومات مشابهة، أما صحيفة "عل همشمار" فأكدت على أن حصة فارس الحمدان بلغت 60% من التكاليف. أما صحيفة هابوكير فأكدت على أن فارس حمدان كان من كبار الراصدين للأموال لهذا المشروع الحيوي.
يُروى أن عاملات من الخضيرة والعفولة عملن في المصنع المذكور لامتناع المرأة العربية عن العمل.

فشل المصنع وإفلاس فارس

كانت إسرائيل في تلك الفترة تحاول أن تمر بسفنها عبر قناة السويس إلى دول شرق آسيا. ولكن جمال عبد الناصر أصر على عدم السماح لهذه السفن بالعبور في القناة لكونها معادية، فكانت إسرائيل تستأجر سفنًا لدول أجنبية مثل ليبيريا وألمانيا وتحملها بالإسمنت والفوسفات والحمضيات محاولة الالتفاف على الحظر، ولكن السلطات المصرية كانت تحتجز هذه السفن، وتستصدر بعد مدة حكمًا من المحكمة البحرية المصرية يقضي بمصادرة الشحنات بدعوى أنها شحنات عسكرية، وبأنها ملك للشعب الفلسطيني الذي طرد من بلاده.

في شهر شباط 1959 وشهر آذار 1959 حُمّلت منتوجات مصنع معلبات باقة على سفينتين أجنبيتين اللتين أبحرتا نحو قناة السويس في طريقهما إلى دول شرق آسيا. للتمويه وضعت فوق المعلبات جوالات إسمنت وفوسفات. احتجزت السلطات المصرية السفينتين. في شهر أيار أفرغت الشحنات في ميناء بور سعيد. كان تلك ضربة قاصمة لظهر فارس حمدان ومصنعه. وقد أدى الأمر إلى إفلاسه وخروجه من الكنيست. كان المصنع أول شراكة عربية يهودية ولكن لم يكتب لها النجاح.!

حكاية الطفلة سيناء

حكاية الطفلة سناء، أو سيناء تبرز بشاعة الحرب وقسوتها. في 29 أكتوبر 1956 شنت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا حربًا شاملة ضد مصر، عرفت باسم العدوان الثلاثي، ولكن هذه الحرب فشلت في تحقيق هدفها وهو إسقاط جمال عبد الناصر.

خلال الحرب ارتكبت جرائم، منها قتل جميع من اختبأوا تحت سيارة شحن من المدنيين. من تحت السيارة سمع الجنود بكاء طفلة فلما تبينوا وجدوا طفلة على صدر أمها القتيلة، فحملوها إلى البلاد، وأعطوها للدكتور ألبرت بيكر الذي أسماها روت. في عام 1958 توجّه فارس حمدان إلى المحكمة المركزية في تل أبيب بطلب تسليم البنت إليه حتى تتربى تربية إسلامية. في الثاني من حزيران حكمت المحكمة بوصاية فارس حمدان على الطفلة ورفضت دعوى أقامها أحد زعماء الطيبة لنفس الغرض.

لقد أحسن فارس تربية سيناء، فلما كبرت سجّل باسمها عشرة دونمات، وقد تزوجها الدكتور سليمان الصانع من ديرة بئر السبع، ولها ثلاثة أبناء وبنتًا واحدة.

دار فارس الحمدان

بعد عام 1956 بنى فارس الحمدان قصرًا في باقة الغربية. يقع القصر عند المدخل الجنوبي للقرية. وهو تحفة فنية. اعتاد فارس استقبال الوزراء والزعماء في هذا القصر المنيف الذي ما زال قائمًا.

مستشفى الولادة ومشاريع أخرى


في الخمسينيات من القرن الماضي أدخلت الكهرباء والماء إلى البيوت، وبنيت مدرستان للذكور والإناث، وأنشئ مستوصف ومستشفى الولادة(1958) لخدمة النساء في باقة وجت وبير السكة وعاره وعرعره وكفر قرع، وقد أغلق المستشفى في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي.

وفاته

توفي فارس حمدان في بلده في 29 تشرين الثاني 1966 عن عمر يناهز السادسة والخمسين.









د . محمد عقل