كنوز نت - عربي بوست

السوشيال ميديا وحش "غذيناه" فكاد أن يبتلعنا


ربما سمعنا جميعاً، بمختلف اللغات والثقافات، عن ذلك الثعبان الذي كاد البرد والجوع أن يقتلاه فأشفق عليه ذلك الإنسان الطيب المسالم واصطحبه إلى منزله ودفأه وأطعمه، وكانت النتيجة أن جاءت نهاية ذلك الإنسان بلدغة من الثعبان!

السوشيال ميديا وحش "غذيناه" فكاد أن يبتلعنا

هكذا كانت السوشيال ميديا أو منصات التواصل الاجتماعي في بدايتها. كانت كذلك الثعبان، وحيدة باردة جائعة، فلا أحد يعرفها أو يتصور أنها ستنمو بتلك السرعة الهائلة، وخلال عقدين فقط أصبحت تحكمنا جميعاً وتتحكم فينا.

فعندما صمم مارك زوكربيرغ وثلاثة من رفاقه في السكن الجامعي تطبيقاً يهدف إلى اختيار "الأكثر جاذبية" بين طلاب جامعة هارفارد، وكان ذلك عام 2003، من كان يتخيل أنه بعد أقل من 20 عاماً، سيصبح زوكربيرغ "أخطر رجل في العالم"؟ وسيصبح "فيسبوك" السلاح الأكثر قدرة على التحكم في الحياة البشرية على الإطلاق؟

وإذا كنتم تعتقدون، أيها القراء، أن في التشبيه مبالغة أو أن في وصف تأثير منصات التواصل الاجتماعي علينا تجنياً أو شططاً، أدعوكم إلى قراءة القصة حتى نهايتها ثم احكموا بأنفسكم على أنفسكم!


وحش غرز أنيابه بحياتنا.. 6 أشياء ساعدتني في التغلب على إدمان السوشيال ميديا


في الآونة الأخيرة صرت أشعر بالدوار كلما فتحت مواقع التواصل الاجتماعي، فتدفق المعلومات المرتفع فيها بدأ يتجاوزني ويؤثر بي، ففي وقت متقارب أرى نكتةً فأضحك، ثم خبراً مؤلماً فأحزن، وهذا الأمر يجعل الدماغ في حالة فوضى عارمة، ولا يعرف أي مشاعر يجب أن ينتج، فما هو الشعور الحقيقي لحظتها، هل هو الحزن أم الفرح؟ أيكون تعاقب هاذين الاثنين في وقت متقارب جداً صحياً لي أم أنه منافٍ للتركيبة الإنسانية؟ وليس هذا وحده ما وجدته يفعل بي هذا، فما أستمع إليه أيضاً يفعل نفس الشيء، وهذا الأمر بدأ يؤكد لي كلام الدكتور وليد الفتيحي في مقطع له على اليوتيوب بعنوان: "الموسيقى خطر كبير على صحة الإنسان فاحذر".. ناهيك عن النسيان المفرط والتشتت الذي بدأت أشتكي منه.

ما زلت أؤكد أن المعرفة وحدها لا تكفي، أحياناً يجب أن نعترف كي نبدأ في خطوة للتغيير، فالمدمن للمخدرات يقول إنه ليس مدمناً ويستطيع أن يتوقف عن تعاطي المخدرات متى شاء، فهذا الأمر لا يشكل أي صعوبة لديه، لكن ما إن يبدأ في محاولة الفصل حتى يشعر بصعوبة الأمر، والشيء مثله بالنسبة لنا، نقول: نستطيع أن نتخلى عنها بسرعة؛ وما إن نبدأ في الابتعاد عنها حتى نشعر بأهميتها ومدى حاجتنا إليها، فنهب أنفسنا أعذاراً واهية، وكأننا مركز الكون والجميع بحاجتنا والحقيقة أن لا حاجة لأحد بك، ومن يحتاجك سيتصل بك وسيجدك؛ لكنها أعذار نقدمها لأنفسنا حتى نستطيع العودة دون تأنيب ضمير ونعود لاستهلاك الدوبامين دون أي صعوبة تذكر فقط بتلقي الكثير من السعادة الوهمية.

إننا أول جيل يتعاطى مع هذه الوسائل التي غرزت أنيابها في عاداتنا، نستيقظ فيكون أول ما نقوم به هو تصفح الهاتف، مثلما ننام بعد أن يكون تصفح الهاتف آخر ما قمنا به، وحالنا لا يصفه سوى شارة -لكرتون أبطال الديجيتال- تقول: "في فخ غريب وقعنا، في عالم الأرقام ضعنا؛ كيف الخروج من أين الطريق؟ عالم غريب المعالم، نواجه الأخطار نقاوم، نلقى عدواً ونقابل ألف صديق" لقد وقعنا بالفعل في عالم كالمتاهة، وضعنا فيه ضياع الشريد في عاصمة كبيرة أو غابة سحرية كلما اعتقد أنه عرف طريق الخروج منها وجد نفسه قد عاد لنفس النقطة التي انطلق منها. في الإعدادية -ربما- كنا قد درسنا تجربة بافلوف الذي استنتج ارتباط المحفزات البصرية والسمعية برد الفعل العصبي؛ أي أن لكل محفز استجابة؛ وهذا ما يعيه جيداً صناع الخوارزميات، فكيف يمكننا أن نقاوم هذا الإدمان الجديد ولا نترك الدماغ في حالة الفوضى التي نضعه فيها؟


1- إيقاف الإشعارات وإلغاء المتابعة

الإشعارات هي أكثر ما يذكرني بتجربة بافلوف، فليست سوى محفز للعادة، فكلما وضعت هاتفي، أو غفلت عن تطبيق لأكثر من ساعة تباشر تلك التطبيقات بإرسال إشعارات متعددة تتبارى كلها على لفت انتباهي، وإيقاف هذه الإشعارات خطوة جيدة لكبح الفضول، ووضع نقطة بين الضرورة والرغبة. فحينما نفتح هذه الإشعارات والتطبيقات، نلاحظ أمراً آخر، وهو أننا بالفعل نتأثر بما نراه، شئنا أم أبينا، ولعل أكبر خطأ قمت به هو متابعة صفحات وأشخاص كثر، والأصح هو أن ينقص المرء ما استطاع، ويتوقف عن متابعة أي كان؛ وينتقي من يريد متابعته ويتخلص من كل من ينشر الأحزان والطاقة السلبية والكلام الفارغ.

2- أين أفنيت عمرك؟

توفيت قبل أيام فتاة لا أعرفها توجد في قائمة أصدقائي، وما إن قرأت الخبر حتى هرعت لحذفها، فقلت في نفسي: أنا الأخرى، ما إن يصل خبر موتي الآخرين سيسرعون لحذفي، ودفن ذكراي، وتوفير مكان لشخص حي آخر؛ فكلنا نستبدل، ولا يتوقف دوران الكرة الأرضية على أي واحد منا، وها نحن نرى كيف أن هذا العمر الطويل لم يعد ملكنا؛ ندخل لتصفح دقيقة فنغرق لساعات طويلة، وهكذا نمضي كهامستر يركض في مكانه، ولسوف نسأل عن أين قضينا هذا العمر، عن نفسي؛ إن بقيت هكذا سيقال: لقد عاشت عمراً طويلاً، بين أجهزة كثيرة.. وهذا بالفعل ما لا أتمناه.

3- هل الآخرون قيد؟

من الغريب أن الآخرين صاروا يغضبون لأنك رأيت رسالةً ولم ترد، أو لأن هاتفك متصل ولم تدخل لتسمع تسجيلاتهم الصوتية أو لم ترد على مكالماتهم التي منعتك ظروف من الرد عليها، لقد بدأ الآخرون يقيدون حرياتنا بمجرد تواجدنا على تطبيق مشترك، والعتاب على أمر كهذا من أكثر ما يمكنه أن يوقف علاقتي مع الآخرين مهما كانت درجة القرابة بيننا، فالعتاب على شيء تافه كهذا لا يروقني بالمطلق، فأن توجد، لا يعني أنك بخدمتي، ولا أنني بخدمتك، ولا يحق لأي واحد منا أن يحاسب الآخر، فما الذي منحنا صلاحية معاتبة الآخر على وقت يملكه ويحق له التصرف فيه مثلما يشاء؛ لا مثلما نريد نحن؟

4- دفن الحواس

لكل واحد منا خمس حواس، لكنها باتت تغيب بطريقة عجيبة، نتصل بالإنترنت، فنصير: كالأصم والأعمى والأبكم، فلا نلمس سوى هواتفنا، ولا نشم سوى رائحة الأخبار العفنة، وكلما رأيت محروماً من إحدى هذه الحواس تذكرت بأنها لدى الكثيرين منا؛ لكننا لا نعرف قيمتها الحقيقية، فبدل أن نتأمل الملكوت، وننظر لوجوه الذين نحبهم ما زلنا نفضل الهاتف على أي شيء آخر، قبل مدة طويلة كنت جالسة مع جدتي فراسلتني بعض الصديقات في مجموعة مشتركة فبدأت في التفاعل مع ما كتبن وأضحك، وأكتب لهن، فقالت لي: انظري إليَّ، إلى وجهي أنا، أنا الموجودة أمامك؛ أما الهاتف فقد شبع من وجهك!

5- أتحب نفسك؟

إننا –وعلى هذا المنوال- نقضي على أنفسنا، نعطي وقتنا بسخاء لشخص يعيش حياته ويحاول أن يغرقنا في جدران هذه الحياة الإلكترونية الوهمية، لا يمكن أن ننكر مدى فضلها علينا؛ إلا أننا نبالغ فيها مبالغةً لا يجب أن تكون، هناك أشياء أهم، كل المتواجدين بقربك أهم، حياتك التي تؤجلها أهم، نومك خير من السهر عليها، راحتك أهم من الدخول في نقاشات عقيمة مع الآخرين فيها، طاقتك التي تستنزفها فيها من الأفضل أن تحرقها في مكان أكثر فائدة لك، عائلتك أهم من المنشورات والتفاعلات، اجعل نفسك في المقدمة دائماً، ولا تلهث وراء مصلحة رجل يتمنى لو أنك تبقى مستيقظاً طوال اليوم كي تنعش موقعه.

6- كيف أوقف من إدماني هذا؟

هناك تطبيقات تمنع وصول الإنترنت إلى التطبيقات الأخرى، وكذلك هناك تطبيق للأندرويد اسمه DETOX سيساعدك على إغلاق الهاتف لعدد الساعات التي ترغب بها، وكل هذه جزئيات، لأن الإرادة هي ما يمكنك من فعلها والتخلص منها بسهولة وعقلنة استخدامها.. فقط أدرك حجم ضررها عليك وستقلع مباشرةً عنها، وهناك وثائقي سيساعدك في تكوين صورة واضحة حول هذا الأمر وهو: "وثائقي المعضلة الاجتماعية" فحينما ستراه ستدرك بما لا شك فيه بأننا لسنا إلا منتجاً وسلعةً تتنازع الشركات لامتلاكها وقضائها لأكبر وقت عندها.

7- ما هي البدائل؟

حينما بدأت أفكر في ترك الهاتف، كنت أتساءل عن البديل، فكل شيء صار عليه؛ حتى الساعة قد استغنيت عنها وصرت أرى التوقيت على هاتفي، لدرجة أنني حينما أردت إغلاقه في المرة الأولى بحثت عن مقطع للحياة قبله، كيف كنا نعيش؟ وبالفعل أغلقته؛ لكنني ما زلت أجده في يد كل الذين أكلمهم، الجميع صار مشغولاً عن الجميع بهاتفه؛ إن الدوبامين الذي ينتج أثناء تجولنا بين هذه التطبيقات (وسائل التواصل الاجتماعي، ألعاب الفيديو…) ينتج عن محفزات غير صحية، ويورث الكسل وأخذ جرعات كبيرة منه دون أدنى مجهود، أتمنى لو أن هناك فرعاً للأخلاقيات يندرج ضمن أخلاقيات جديدة تؤطر تعاملنا مع هذا التطور وتفرض على أصحاب هذه التطبيقات قواعداً أخلاقية؛ فلسنا لعبة تجارب حتى نتعرض سواءً نحن أو أطفالنا للإشهارات وسلطة الصورة، ستظهر عليك أعراض الانسحاب حينما ستبدأ في محاولة الإقلاع، لكن ابدأ بالتدريج، حتى يصير وجود المرغوب كالعدم، إن تأجيل ما تفعله من أجل موقع -يراك وسيلة لا غاية- لعين الحمق، لدى الجميع أولويات أخرى نطمرها ببقائنا في عالم وهمي لن يزيدنا إلا تعباً، فكثرة الأخبار فيه، ونشر الفضائح عليه يجعل منه مورد شر أيضاً؛ وهذا هو حال كل شيء: جانب مظلم وجانب منير، فخذ ما تحتاجه منها، ولا تغرق في ظلامها، هناك أشياء مهمة في حياتك، وأولها أنت، اهتم بتفاصيل نفسك، حياتك، ولا تشارك الناس جميع ما تفعله كل دقيقة، فقد صار الاستعراض موضة العصر، وأرح ذهنك من السموم التي تنبثق إليك من هاتف اشتريته بنفسك لنفسك! فهل هو نقمة أم نعمة؟ أنت من بإمكانه أن يحدد الجواب.