دانشمند / في سيرة مقدسة للغزالي

كنوز نت - حمود ولد سليمان | غيم الصحراء

اخترت ان أمارس في هذا الكتاب قراءة يمكن أن أسميها القراءة المقاومة .وهي قراءة تستكشف كيفيات اندساس الرؤي السلفية .

القراءة المقاومة وبكاء الحجر /السلفية المندسة في آليات التفكير الحداثوي

/محمد لطفي اليوسفي/سكربيوس للنشر /2002/ص11

_شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة وأراد أن يتقيأهم فما استطاع/

أبوبكر بن العربي / 

تكوين العقل العربي /الجابري /مركز دراسات الوحدة العربية ط العاشرة 2009/ص286.

_والحق أن الغزالي قد تبني في تصوفه الفلسفة الدينية الهرمسية بجميع أطروحاتها الأساسية .وإذا لم يكن الغزالي قد اطلع علي المصادرالهرمسية المباشرة فلاشك أنه استقي أطروحات "العقل المستقيل"من ابن سينا والباطنية وفلاسفتها وبكيفية أخص من المتصوفة.أمثال البسطامي والجنيد والحلاج وغيرهم .وهذه أمثلة علي مدي توغل الغزالي في أعماق الهرمسية وهو يؤسس الأزمة في العقل العربي./

تكوين العقل العربي /الجابري/ص 286

1/

 منذ يومين أو ثلاثة قرأت خبرا عن القائمة الطويلة المرشحة لجائزة البوكر العربية وتفاجأت أن من بين من تم اختيار اعمالهم الكاتب الموريتاني محمد فال ولد الدين عن روايته دانشمند التي تتناول سيرة ابي حامد الغزالي .ورحت أبحث عن الرواية 

الممدوحة والمرشحة للبوكر لأقرأها . ووجدت نسخة إلكترونية منها وخزنتها في هاتفي وقرأتها طوال ثلاثة أيام .كنت اعاني فيها من حمي أصابتني 

في الحقيقة أعادتني الرواية للزمن اليكسومي الأول.لزمن بعيد عشت فيه الكثير من الاضطهاد والعزلة النفسية الاليمة .التي لاتزال ذكراها في نفسي .في تلك الفترة تعرفت علي طوائف المتصوفة وقرأت لهم بدءا من الشيخ الأكبر ابن عربي إلي العطار النيسابوري وجلال الدين الرومي وابن الفارض والسكندري والبسطامي والحلاج والجنيد والغزالي والطوسي .وبديع الزمان النورسي .قرأت لهؤلاء كثيرا وأكثر من قرأته منهم الشيخ الأكبر اذ قرأت له فتوحاته المكية من ألفها الي يائها تسعة أجزاء كاملة واتبعتها بديوانه وترجمان الأشواق وفصوص الحكم .ثم قرأت المثنوي لجلال الدين الرومي وفيه مافيه و منطق الطير للعطار النيسابوري والأعمال الكاملة لعبد الجبار النفري ورسائل النور للنورسي .عدي هذه الكتب قرأت اخري كلها تمحورت حول التصوف وتاريخه في الإسلام وأشهر الكتب في ذالك مثل كتاب المستشرقة الألمانية ماري شيمل وموسوعة المرحوم حسن حنفي عن التصوف من البقاء الي الفناء ومعظم كتب محمد عابد الجابري رحمة الله عليه التي تناول فيها التصوف بعمق في رباعيته في نقد العقل العربي .اوتلك التي تعرض له فيها في إشارات متفرقة .كنحن والتراث وغيرها . 

دانشمند /في جدل العنوان 

عندما بدأت في قراءة الرواية أول ما استوقفني العنوان دانشمند ما الذي تعنيه الكلمة؟! ولماذا اختارها الكاتب .دانشمند كما في غوغل 

كلمة فارسية مركبة من دانش التي تعني عالم ومند التي تعني علماء فهي اذا عالم العلماء. وإذا الكلمة من بين اسماء اخري تعظيمية تطلق علي الغزالي .منها حجة الإسلام وزين الدين 

ومحجّة الدين، والعالم الأوحد، ومفتي الأمّة، وبركة الأنام، وإمام أئمة الدين، وشرف الأئمة.وكل هذه الأسماء تدل علي مكانة الغزالي كفيلسوف وصوفي كبير ترك أثرا كبيرا في 

الثقافة العربية الإسلامية لايزال إلي اليوم . 

لكن لماذا لايكون عنوان الرواية عالم العلماء الغزالي بدل دانشمند 

الأعجمية .هل الامر بسبب الموضة الروائية الجديدة التي أصبح أصحابها يفضلون العناوين الأعجمية .جريا وراء الحداثة .أم لأن دانشمند لها جرس موسيقي وايقاع عذب في الأذن ؟

تساءلت وانا أقرأ الرواية في عتبتها الأولي .لماذا دانشمند ؟

ولماذا لم يجعل الكاتب عنوانا ثانيا فرعيا تفسيريا للعنوان الكبير 

من أجل أن يكون موضوع الرواية واضحا من الغلاف .من أول كلمة .

 السيرة المقدسة /

في المتن 

تتناول دانشمند سيرة ابي حامد محمدالغزالي الطوسي النيسابوري

الصوفي .الشافعي الأشعري (1058م / 1111م)رحمة الله عليه

من الفصول الأولي تبدو الرواية سيرة مقدسة Hagiography

 للغزالي . لاتتناوله الا في الجانب التمجيدي.متغافلة عن المآخذ والنقد الذي جوبه به الغزالي من قبل الفقهاء مثل المازري وابن تيمية وابن الجوزي .وحتي من قبل المعارضين للغزالي في التراث الإسلامي وهم كثر. حيث وصلت عداوة الغزالي لدي بعض معارضيه الي إحراق كتابه احياء علوم الدين كما نعلم من قبل محمد بن تاشفين الذي اعتبر وطائفة معه ان الأحياء كتاب ضلالات وشعوذة لاينبغي تعليمه في اوساط المسلمين 

 تجمع داشمند بين السيرة والتاريخ يعني تسرد سيرة للغزالي في نفس الوقت تتناول المسار التاريخي للحقبة التي عاش فيها.وما شهدته من أحداث ووقائع يري الكاتب انها شكلت خطوطا عريضة مهمة في حياة بطله. 

الرواية باعتبارها رواية تاريخية تريد ان تتصيد من الهامش التاريخي الذي لانعرفه عن هذه الشخصية الكبيرة التي طبقت شهرتها كل الآفاق والتي تركت بصمتها في الفلسفة والتصوف والثقافة الإسلامية .فهل فعلت ذالك حقا ؟ 

في الإهداء /العتبة الاولي

 يبدأ الروائي يهيء المتلقي في المخاطبة الأولي ويلقي له بمفاتيحه السردية الاولي :يقول:إلي شيخ المخبتين المرابط الحاج فحفو وليالي تبتله الطوال(1)

والحاج فحفو(1913/ 2018م ) عالم موريتاني جليل .اعتزل في آخر حياته في بادية من بوادي كيفه وظل يدرس العلم ويؤلف إلي ان توفاه الله رحمة الله عليه .

من خلال الإهداء يتبين لنا ان الروائي يقول ان دافعه الأول للتمثل وللسرد شيخ المخبتين الحاج فحفو

يبدأ الكاتب في سيرة الغزالي فيسرد في المشهد الأول وهو واقف علي تخوم المدينة في شكل استرجاعي صورا من حياته.ثم أيام طفولته ثم طلبه للعلم واعتزاله الخلائق وسفره الي دمشق وبيت المقدس ورجوعه الي بغداد ثم رجوعه الي الطابران .إلي ان توفي 

مسموما 1111م

السرد في الرواية لا يبدأ بطريقة تقليدية من الميلاد الي الوفاة .

يعمد الكاتب فيه الي أسلوب الاسترجاع .

يتداخل الزمني مع النفسي في السرد .والزمن في الرواية مفكك 

لا خيط يربط بين أحداثه وان كان السارد لايتركه يسير ويجري جريان الماء في الأودية ويحصره بين صخرتين او جدولين لينتقي لحظات سردية فهو مع ذالك غير مترابط ولاتساهم أحداثه في بيان المعني .لاتضيف شيئا .الشخصيات في الرواية كثيرة تتحرك في أفق هلامي لانعرف ما الذي يجمعها ويحركها تماما مثل رقص الصوفية وشطحاتهم ومواجدهم . تنتفي الأسباب ويصبح كل شيء حالة شعورية معقدة .

وإذا معاشر الصوفية كلهم ابن طيفور وسمنون والنبهاني والجويني وآخرون يحضرون فقط لسد فراغ غير موجود .واستكمالا للشحن المعرفي الصوفي . من اجل الامتلاء بالموروث والذات الصوفية . 

طبعا في كل نص روائي لابد للكاتب ان يستحضر الخلفية المعرفية التي يكتب عنها لكن مع ذالك ينبغي أن ينتقي بدقة مايخدم النص لا ان يحشر كل شاردة وواردة دون ضرورة .

الرواية تبدأ من الطابران /خراسان 456ه وتنتهي 505ه

خلال هذه المدة كلها تتشابك حياة الغزالي وتتوزع بين الطابران ونيسابور وبغداد ودمشق .وقد حاولت الرواية أن تتبع مسار حياة الغزالي في كل مرحلة علي حدة من الناحية الفكرية 

و المعروف ان هناك ثلاثة مراحل او اطوار تنازعت حياة الغزالي 

مرحلة دراسة الفقه 

مرحلة علم الكلام والفلسفة 

مرحلة التصوف وهي الأهم والتي استقر عندها الغزالي الي ان توفي وقد مر فيها بتجربة روحية استمرت زهاء عقد من الزمن 

الأسلوب في الرواية أسلوب جميل ولغة قوية تبين إلي حد كبير مدي اشتغال صاحبها عليها اشتغالا جيدا 

 ورغم ان اللغة جميلة وقوية .مع ذالك يفقد السرد حرارته أحيانا بين الفصول وتبدوو اللغة تقريرية اكثر منها لغة إبداعية جمالية . تحضر فيها لغة الشيوخ والمتون.

الرواية طويلة 636صفحة .لم أقرأها إلا مرة واحدة. 

ولست أدري ما الذي أضافته .كمتخيل سردي تاريخي؟

ما الذي أضافته الرواية .من المفروض في كل رواية تاريخية ان تضيف للهامش التاريخي شيئا جديدا كان قد غفل عنه .لا ان ترويه كماهو .والرواية اذا استثنينا بعض الأحداث البسيطة ليس فيها إضافة كبيرة من حيث الجانب التخييلي التاريخي .

_

المشغل السردي/

كل رواية تقوم علي مرتكز سردي .مشغل تروم ان تتناوله وتثير أسئلته. وداشمند تتناول سيرة الغزالي؟ في بعدها الصوفي 

ولااعتقد ان في سيرة الغزالي كما روتها الرواية عناصر تغري بالسرد .ليس في سيرة الغزالي أحداث تراجيدية كبيرة .سوي انه درس الفقه والفلسفة وتعرض لأزمة روحية وخرج منها صوفيا 

هاربا من الحياة . ماذا يمكن ان تضيفه سيرة الغزالي ؟الذي انتهي غنوصيا اشراقيا .متهما بإدخال تعاليم السحر في الإسلام.  

ماذا تفيدنا هذه السيرة ومثيلاتها من سير المتصوفة .

الذين جنوا علينا . وكرسوا في ثقافتنا السحر والشعوذة والدجل

ماذا يفيدنا من بروق المتصوفة وخيالاتهم وخزعبلاتهم ؟!

علي الرواية العربية أن تهتم بالعقل والعلم .ان تهتم بما يفيد الإنسان العربي المعاصر من حيث واقعه وكيف يمكن تجاوزه إلي الأحسن والأفضل . 

  الرؤي الروائية يجب أن تكون رؤي تهم الإنسان وتعمل علي إخراجه من مآزقه وتغيير واقعه .لا أن تكون رؤي مكرسة  

 للشعوذة والخرافات ومحاربة العقل .

 

______

دانشمند /احمد فال الدين 

منشورات مسكلياني/ط اولي 2023

تونس /ص 5